top of page

ساروفيم جوليانا

يافا (فلسطين)، 13 نيسان/ أبريل 1934 – جونيه (لبنان)، 2005

اشتغلت جوليانا ساروفيم سكرتيرة في وكالة غوث اللاجئين (أونروا) في بيروت، من 1953 إلى 1958، وبدأت بالرسم سنة 1957 في مرسم جورج سِير.

بعد مراحل مختلفة من التجريب على المادّة وعلى فنّ الخطّ، طَرَحَتْ سؤال السورّياليّة كاصطلاح حرّيّة تشكيليّة، في مجتمع كان الاهتمام فيه بالفنّ التجريدي، الممارَس على نحوٍ قريب من الرسم التصويري، نادراً ما يذهب أبعد من اهتمامه برسوم نسيج الستائر التشيكيّة المطبوع في الخمسينيّات. وواصلتْ تقاليد النساء الرسّامات في الثلاثينيّات، ماري حدّاد وبلانش لوهياك ـ عمّون.

أظهرت ساروفيم في المنطلق حيويّة لاشعوريّة، وأنوثة جذّابة، واكتشافاً تدريجيّاً لتحرّر المرأة أثار فضول الصحافة والجمهور، لكنّه انتهى بأن أصبح ظاهرة اجتماعيّة، ظاهرة المرأة الفنّانة، محوِّلاً الاهتمام عن رسمها. لم يكن هناك أبداً من يصغي إليها؛ وكانت الأنظار تتّجِه إليها، إلى شخصها لا إلى أعمالها. قام في ذلك تنافس، واصطدم بقسوة مع طيبتها المتأصّلة في النفس. وقد عانت من ذلك.

كان عليها، بعد شغل لا يخلو من الموهبة على مواد الرسم، أن تبني لوحاتها حول  توجّه استشراقيّ أوّلي،كمناخ فنّي مرتبط ببحث تَطوَّر، في أواسط الستّينيّات، نحو سورّياليّة روّجت لها مجلّة ﭘﻠﺎنِت Planète. ثورة سورّياليّة زائفة ليست تلك التي نادى بها بريتون Breton ولا تلك التي راجت في الثلاثينيّات، بل الاستيراد المرتجل لروحانيّة بعض الصالونات الباريسيّة. لم تقع ساروفيم، أكثر من سِواها، ضحيّة لهذا الاتّجاه، لكنّها تمايزت فيه، بكافّة لوازمه التي لم تخدعها، والتي كانت لها بمثابة تجهيزات لتوليد الاستيهام.

بدت السورّياليّة في لبنان أواخر الستّينيّات كنتاج تفارقَ وظَرفَه الزمني أكثر منه كنتاج أدبيّ، بالنسبة إلى اندفاعة واقع أخذ، وإن لم يكن دائماً مسيّساً بالمعنى الدقيق للكلمة، يرخي بثقله أكثر فأكثر على كاهل الفنّانين والكتّاب. أدرك هؤلاء أنّ شرقهم لم يكن يتوصّل أبداً إلى النطق بكلام مفهوم ومتماسك في توجّههم إلى غرب كان قد علَّمهم  جزءاً من لغتهم. من هنا كانت المحاولة، قبل إطلاق الدعوات الكبرى التي لم تتوفّر دائماً أدوات تحقيقها بعد، للاقتراب من لغة أخرى يكون فيها لأشكال الواقع بعض الحظّ في أن تُعتبَر أشكالاً نوعيّةً، حتّى لو جرى تبسيطها بعض الشيء. حاول هذا التجذير، الذي لم يأت دائماً على قدر ما كان يأمله من الجذريّة، أن يقدِّم نفسه كفنّ سياسي.

اضطرّ الفنّانون إلى حسم خياراتهم. لم تَعُد صالات بيروت تفرض معاييرها الفكريّة، دون أن ينمّ ذلك عن خِفّة. واختارت ساروفيم باريس مكاناً للاستقرار والانطلاق في فنّ رسم جديد مألوف المواضيع، نوع من سورّياليّة اهتمّت به بعض صالات العرض التجاريّة. وطُلِب منها بالتالي أن تلتزم بوتيرة إنتاج منتظمة. فرفضت الدخول في اللعبة، لأسباب لم تكن على أيّة حال محض تشكيليّة. كانت تشعر بالضيق من دخول دورة تجاريّة كانت تفرض عليها قيوداً لا تتحمّلها. لكن تجدر الإشارة إلى أنّها كانت من أوائل النساء في لبنان ممّن تَمكّنّ من الاضطلاع، بصفتهنّ هذه، باتّخاذ الفنّ مهنة وكسب عيشهنّ منه، دونما دعم مالي عائلي.

تَحتَدّ جوليانا ساروفيم في الكلام على أصولها الفلسطينيّة والمسيحيّة، كما لو انّها تريد القفز فوق مسيحيّي الشرق والالتحاق بنسب لاتيني ترجعه إلى الصليبيّين، ما يبدو لها ليس إضفاء شرعية على ما تحمل من تأثيرات ثقافيّة أوروﭘﻴّﺔ، بقدر كونه بالأحرى تشريعاً للغة التصويريّة السورّياليّة، ولتبريرها الثقافي، وللفضيحة التي أمكنها حملها إلى المجتمع اللبناني. ذلك أنّ الأساسيّ في الأمر كان اكتشافها السورّياليّة التي بدا أنّها وجَّهت بحثها، خصوصاً حين شعرت بالحاجة إلى تثبيت استقلال شخصيّة أنثويّة في الوسط البيروتي. فهي اعتنقت كافّة أشكال صدى السورّياليّة الأدبيّة وقد ذهبت نكهتها بعض الشيء: المرأة ـ الزهرة، المرأة ـ السكس، إلى ما هنالك من هذا القبيل الرمزي. هي اشتغلت بالطبع على مواضيع أخرى، وكان لها مرحلة فينيقيّة ومرحلة شغل على الحرف العربي.

كانت ساروفيم لفترة، في لبنان، نجمة وفي الوقت نفسه ضحيّة شريحة اجتماعيّة حيث أخذت وظيفيّة الفنّ، مع ولادة السوق الفنّيّة، والمنافسة بين الفنّانين كما المزاحمة بين صالات العرض، تترك الانطباع الوهمي بوجود نشاط خلّاق، في حين أنّ الأمر لم يكن يعدو كونه، في أغلب الأحيان، إلّا الصدى البعيد للعبة صراع نفوذ. كانت ساروفيم من الذكاء بحيث لم تنخدع بالمظاهر إلّا فيما ندر.   

bottom of page